قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور

قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور


بسم الله الرحمان الرحيم 1. الحمد لله الذي أطلع للناس في ظلمة الضلالة بدر الهدى، وبل بغيث الرشاد المحمدى ما لحق طينة قلوبهم من صدا، ورفع قدر نبيه حمد وأعلى مقامه، وبعثه رحمة للعالمين في الدنيا وعرصات القيامة، وأمر أمته بتعظيمه فنبههم لذلك بالأمر بالصلاة عليه، والنهي عن رفع الصوت عنده والتقديم بين يدته، اللهم فصل عليه صلاة تكون بين أدينا نورا، ونزداد بها نصرة وسروران وعلى آله الذين خصصنهم بمزايا الشرف، وأطلعتهم في سماء الفضائل بدورا ما يشنيها كلف، وأرض عن أصحابه الذين اثبت رضاك عنهم في كتابك إعلانا، الذين هاجروا ونصروا وآثروا يبتغون فضلا من الله ورضوانا والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا، فانعم بهم إخوانا. أمّا بعد فهذه سحابة أظلت يذكر الفضائل المحمدية فبث رشاشها، وزجاجة ملئت من عطر الأخلاق النبوية فيها لنفوس السامعين انتعاشها، لو وزنت بأغلى الدرر واليواقيت، لما غلت سوما على السامع فلقال هات أوهيت، وكيف لا وإن ملأها لمن زلال شرف الرسول، وانبثاق لوامع برقها يشام منه خير غيث هطول، آثرت فيها جمع لمع كافية للذين تعلقت قلوبهم بمحبته، وأخبار غير واهية الأساس من مختار عيون سيرته، إذ كان قد أغنى هذه الأمة عن التشبث بما ليس بمحجة الثبوت، ولقنها أن تربأ عنها بإشارة قوله: وإن أوهن البيوت، فكذلك ينبغي أن يكون المسلمون فيما يبيتون من شؤونهم وأوضاعهم، وعلى ذلك الخلق علمائهم وأشياعهم، فان هذا الدين ثرى بما أمده الله من صحيح كثير، عن أن يلفق له شاعب كل منثلهم أو كسير، فلا يحق لحملته أن يش وبه بما يكدر منه صفو صفاته، وأن ينسوا ما خصت به هذه الأمة من صحة بلوغ الدين ورواياته. فعلى ذلك النير قد سديت محكم هذا النسيج، وكذلك تفرغت أفنان هذه الشجرة الطيبة على ما انفتق عنه ذلك الوشيح. دعاني إليه الاستياء بأفاضل الأمة، الذين ألهمهم الله صرف الهمة، إلى العناية بتعظيم اليوم الذي يوافق من كل عام، يوم ميلاد محمد رسوله عليه الصلاة والسلام، إذ كانوا قد عدوه عيدا، علمناه من قوله تعالى في التنويه بشهر رمضان "شهر رمضان » شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن « فأي يوم أسعد يوم أظهر الله فيه للعالم مولودا كان المنقذ من الضلالة، أخرج به الناس من ظلمات الشرك ومناقص الجهالة، وإذ كانت الأعياد الثابتة في الدين قد جاءت على مناسبة الفراغ من عبادات مشروعة، فذكرى الواسطة العظمى في تبليغ ذلك يحق أن تكون مشيدة مرفوعة. وأول من علمته صرف همته إلى الاحتفال باليوم الموافق يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حكاه ابن مرزوق هو القاضي أحمد بن محمد العزفي السبتي المالكي (1) في أواسط القرن السادس. وتبعه عليه ابنه القاضي أبو القاسم محمد من علماء القرن السادس وأوائل السابع. و استحسنه جمهور مشيخة المغرب، ووصفوه بالمسلك الحسن(3) (2) العزفي بفتحتين نسبة إلى جده أبى عزفة اللخمي وهو تلميذ القاضي أبى بكر بن العربي كذا في ذيل اللباب. (3) في أزهار الرياض أن أحمد العزفي شرع في إنشاء كتاب سماه الدر المنظم بمولد النبىء الأعظم وأتمه ابنه. قال أبو القاسم البرزلي: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم موسم يعتني به في الحواضر تعظيما له ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم . وكان شأن أهل الخير إحياء ليلة المولد بالصلاة على النبي ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ومعونة آله ومساهمتهم والاكثار من الصدقات وأعمال البر، وإغاثة الملهوف، مع ما تستجلبه المسرة من مباح اللهو المرخص في مثله بنص السنة. وشاع ذلك في بلاد المغرب والأندلس ولما رحل العلامة أبو الخطاب عمر المعروف بابن دحية البلنسي الأندلسي المالكي رحلته الشهيرة إلى المشرق أول القرن السابع، واتصل بالملك الجليل مظفر الدين أبى سعيد كوكبوري ابن زيد الدين كوجك على صاحب إربل (2) حسن الشيخ للملك التسسن فرغبت همته في الاتسام بمسيم أفاضل الزمن، لذلك أقام في سنة ست وستمائه حفلا عظيما، وأنشأ له ابن دحية كتابا سماه التنوير بمولد السراج المنير ، ليقرأ في ذلك اليوم، وجعل يعيد قراءته كل عام، تارة في اليوم الثاني ، وتارة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول . فهو أول الملوك نظم هذا الاحتفال في سلك رسوم دولته. وأولمن سلك هذا المسلك من ملوك المغرب السلطان أبو عنان المريني، ونحا ذلك النحو (2) توفي سنة 630 في بلده ودفن بالمشهد العلوي بالكوفة. السلطان الجليل أبو فارس عبد العزيز بن أحمد الحفصي سلطان تونس، وعين لذلك ليله اثنتي عشرة من ربيع الأول. فكم أغدق في تلك الليالي من خيرات، وأجرى من عوائد وصلات. لحقت بهذه الإيالة شدائد ومحن، وانطوى من وبهجة الدولة الحفصية ذلك البساط الحسن، فلم يبق من تلك الرسوم، إلا ما يبعث عن أريحية أهل الطريق أو أصحاب العلوم. حتى قيض الله لتجديد ما رث منها، وتقيهم ما ذوى من شجرتها وتفرع منها، الأمير السامي الهمه، الرامي إلى معالي الأمور عن قوس أراش سهمه، الفائز بتعظيم قدر المصطفى، المشير الأول أحمد باشا ابن المصطفى، نور الله مقر روحه بنور ماله أنطفا. فأمر بإقامة حفلات لليلة المولد ويومه بحاضرة تونس ومدينة القيروان، وأجرى لذلك النفقات ما فيه وفاء بالإحسان، وأمر بإطلاق المدافع الحربية من القلاع بنية التسلم على أفضل الرسل، على صفة أعظم تحية للملوك في اصطلاح الدول. وكتب له العلامة شيخ الاسلام أبو إسحاق إبراهيم الرياحي، في ذكر مولد مختصرا من مولد المقدس الشيخ مصطفى البكري المصري. وجاء من بعده الأمير الجليل، الخائض الغمرات العلا بعزم صارم صقيل، والذي كان لأعمال ابن عمه خير ناسق، المشير الثالث محمد الصادق. فأمر بتعميم الاحتفال بالمولد في جميع مدن الايالة، وأجرى لها من مال الدولة عطايا فيها كفاية وفضالة،فهي إلى اليوم صدقة جارية من منبع عين الحكومة، مخلدة بها مآثر في المحاسن له معلومة، وتركها سنة باقية فيمن بعده، في الوفاء بحقها وشدوا عقده.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.